عرض المقال
علماء مصر والمكنة طلعت قماش!!
2014-11-02 الأحد
وصلتنى رسالة من الطبيب والباحث د. حاتم توفيق تعليقاً على مقالى المنشور منذ يومين بعنوان التقدم والهوية مهددان يقول فيها: أصابنى مقالكم الأخير عن التقدم والهوية بالإحباط الشديد، فبينما ما زالت الطبقة الوسطى المتعلمة لدينا تعانى من الهلاوس السمعية والبصرية التى أصيبت بها، بل وأدمنتها نتيجة 40 سنة من الحكم الإخوانى لمصر أو للعقلية المصرية إن شئنا التدقيق، ولسوء الطالع فإن الأقدار شاءت أن أعثر فى نفس يوم قراءتى لمقالك، وأثناء محاولتى البحث عن عدد المرات التى تم الاستشهاد بها لأحد أبحاثى القديمة المنشورة فى 2010، أن عثرت بالصدفة على موقع رائع وعنوانه highlycited.com، وهذا الموقع غرضه عمل ترتيب عالمى لأبرز العلماء الذين تم الاستشهاد بأبحاثهم فى الفترة من 2002 إلى 2012، وفُجعت أن القائمة التى تحوى 3216 بحثاً هى أفضل ما أنتج العقل البشرى فى عشر سنوات لا يوجد بها بحث مصرى واحد ولا حتى مصرى واحد يعيش بالخارج. وبالطبع جاء الباحثون الأمريكيون (الشيطان الأكبر) فى المركز الأول بـ1996 باحثاً، وأتى صليبيو أوروبا الألمان والإنجليز فى المركزين الثانى والثالث بمئات الأبحاث، يعقبهم كفار الصين واليابان بمئات الأبحاث أيضاً، بينما نحن لا ذكر لنا إطلاقاً. والغرض من هذا الموقع واضح وهو تحفيز العلماء، وبالذات الشباب منهم، على بذل أكبر جهد، وتذكيرهم بأن هناك مجداً أدبياً دنيوياً ينتظرهم فى نهاية المطاف. ويحضرنى أيضاً الكم الهائل من الدوريات نصف العلمية المبسطة التى تجدها لدى باعة الجرائد فى أمريكا وأوروبا والقنوات العلمية مثل «ديسكوفر» و«ناشيونال جيوجرافيك» التى تتعمد دوماً استضافة كثير من العلماء والاستشهاد بآرائهم المتباينة، والغرض أيضاً فى اعتقادى هو تحفيز هؤلاء العلماء وتحفيز النشء على اتخاذ العلم منهجاً وطريقاً، بل وتتفنن بعض تلك الدوريات -والتى يدمن قراءتها الأطفال والكبار فى بلاد الشيطان الأكبر- فى إظهار بعض العلماء الأفذاذ كأنهم نجوم سينما. وعلى سبيل المثال فأنا أذكر جيداً أن قراءتى لمقال سنة 1993 فى مجلة «ساينتيفيك أميريكان» العلمية لكاتب بدا من اسمه أنه من أصول مصرية كانت حافزاً شديداً لى أثناء دراستى بالبعثة فى إحدى الجامعات الأمريكية. هذا الباحث كان اسمه أحمد زويل. وبدلاً من البكاء على غياب مصر تماماً من القائمة برغم وجود 15 عالماً من إسرائيل و30 من السعودية و2 من الإمارات، فإن علينا التخلص من الصورة النمطية للعالِم فى العقل المصرى الجمعى: صورة الفنان المبدع صاحب العقلية العلمية المعملية الفذة يونس شلبى فى المسلسل الشهير الذى لا يحضرنى اسمه الآن أو الفنان العبقرى فؤاد المهندس و«المكنة اللى طلعت قماش»، وعلينا إظهار صورة مشرفة ومبهرة للعالم المصرى فى وسائل الإعلام، وعلى الدولة التوسع، قدر الإمكان مرة أخرى، فى إرسال البعثات العلمية للخارج مثلما فعل الرئيس السابق حسنى مبارك فى أواخر التسعينات من القرن المنصرم، ثم توقف بدون سبب واضح. يجب البدء من الآن فى إنتاج جيل يقدّر العلوم البشرية بقدر تقديره للعلوم الدينية وعلمائها الأجلاء.